مقال افتراضي من مواطن ***ش حب الوطن في قلبه و كلابشات الوطني في يده
سياده الرئيس ..
أكتب لسيادتك بالقلم الرصاص .. عنوان المحبه و الإخلاص.
الكدب خيبة سيادتك .. صحيح أن هذه الرسالة مكتوبة بقلم رصاص دفعنا رشوة
لعم حسنين عامل النضافه لكي يدخله إلينا من ورا ضهر الحراسة ، لكن الحقيقة
أنني لست أنا الذي أكتب ، بل أنا أملي هذه الرسالة على مريض يزاملنا في
العنبر طلب عدم ذكر اسمه ، برغم إن الدكاتره قالوا إن أمامه بالكتير
أسبوعين لكي يريح و يستريح ، أي أنه ليس لديه ما يخشاه ، لكنه يخشى أن
يطلع تشخيص الدكاتره خطأ و يكتب له عمر جديد فيكمل جلسات العلاج في السجن
، و الحقيقة أيضا أن حكاية القلم الرصاص كانت من بنات أفكاره هو ليس
استرخاصاً و إنما لأنه يرى أن ذلك يسهل التخلص مما كتبناه إذا حدثت كبسة
على العنبر .
سيدى الرئيس طموحاتي بسيطة .. أنا لا أريد أن أحاسب أحداً .. لا الذين
اعتقلوني ولا الذين ضربوني بالرصاص المطاطي و لا الذين ضربوني على قفايا
ولا الذين سبوني بالأم و الأب و لا الذين قيدوني إلى ضهر السرير كأنني خطر
داهم على هذا الوطن ، خطر لا يحتمل حتى حراسة إضافية بل يتطلب تقييدي
كذبيحة ، لا أريد أن أحاسب الذين حكموا عليَّ قبل أن يحاكموني و لا حتى
الذين يأتون إليَّ كل يوم ليطلبوا مني بحزم أن أشد حيلي عشان يطلعوا عين
أهلي لما أخرج .
سيدي أنا لديَّ مشكلتين لا ثالث لهما .. الأولى مع الذباب الشرس الحقير
الغتيت الذي يحاصرني في هذه المستشفى الكئيبه ، ذباب واعي سافل يتعمد أن
يحط على الجانب الأيسر من وجهي كأنه يعلم أنني لن أتمكن من هشه بيدي
المقيدة ، و الله العظيم يا سيدي أنا مستعد أن أدلي باعترافات تفصيلية عن
دوري المزعوم في المؤامرة التخريبية كما وصفها الضباط الذين عكشوني ،
مقابل أن يفكوا الكلابش فقط لكي أهش الذباب المتوحش عني .
مشكلتي الثانية أني أحس بأكلان فظيع في ضهري ، لا أدري هل سببه الحشرات
التي يقسم زملاءي أنها أقدم في المستشفى من بهيرة كبيرة الممرضات ، أم
سببه رقودي غلى السرير على وضع واحد كل هذا الوقت ، مع أن التغيير سنة
الحياة ، نبهني عم عبد البديع إلى التباس الجملة الأخيرة و كونها يمكن أن
تسوء موقفي في القضية ، لكنني أقسم لسيادتك أنني لا أقصد منها شيئاً سوى
أنني فعلاً أريد أن أمارس حقي الدستوري في الهرش و تغيير وضع رقودي على
السرير ، فأنا لست دولة تستحمل أن تعيش ربع قرن على وضع واحد دون أي تغيير
، أنا بشر ضعيف خلقت من تراب ، و سففت التراب ، و يلزمني بين الحين و
الآخر أن أتقلب على الجنبين ، فهل هذا كثير عليَّ سيادتك ؟
سيدي الرئيس .. و الله العظيم و ليس لسيادتك على شعبك حلفان ، هل تعلم
بأنني أحلم كثيراً بأن كل ما أنا فيه سينتهي فجأة عندما تدخل سيادتك علينا
فجأة في زيارة مفاجئة ، لكي تقول لنا أنه لا يرضيك أبداً أن يعامل مواطن
في عهدك هكذا ، حتى لو كان مخطئاً أو مشتبهاً في خطئه ، و أن سيادتك تؤمن
بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته عندها فقط تصح ***شته .
عارف سيادتك .. طيلة عمري كنت أحلم بأن أصاب يوماً ما بكسور و رضوض - مش
أكتر من كده - في حادثة قطار أو أصاب بحروق من الدرجة الأولى في حريق مسرح
.. أو أنجو من الغرق في عبارة .. أو أتعرض لجروح قطعية في انقلاب بيجو
سبعة راكب ، فقط لكي أحظى بذلك المشهد المهيب الذي حظي به الآلاف قبلي ،
أعني مشهد دخول سيادتك إلى عنبر المستشفى
لكي تتفقد المصابين ، و تنحني عليهم ودوداً حنوناً تلاطفهم و تطمئن عليهم
و تطبطب عليهم و توصيهم بأن يبطلوا دلع و يشدوا حيلهم ... يا
اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
، هل من الممكن أن أحظى بشرف كهذا ، و أرى صورتي مع سيادتك في الجرنان و
أنت تمسك بمفتاح ال***ش و تفكه بيدك الكريمة و قد كتب تحت الصورة " سيادة
الرئيس يتفقد أحد أبناءه المصابين " .ْ
أنا آسف سيادتك .. عدلي مش ناوي يجيبها لبر .. من جديد أخرجني صوته من
أحلامي ، عم عبد البديع نفسه كان قد بدأ يحلم بأن يتصور مع سيادتك و أنت
تعده بأن كليته الباقية لن تذوب بأي شكل .
" هو إنت فاكر نفسك ناجي من الغرق أو الحريق أو الموت .. إنت يا ابني
ممسوك في قضية شغب ، فكيف تحظى بشرف كهذا لا يناله إلا المغدور بهم أو
المصابون بشرف "
خرجت في المظاهرات .. نعم .. أعترف سيادتك ، لن ألف و أدور .. لن أحلف
بالله كذباً أنني كنت رايح درس أو جاي من مجموعة .. لن أقول أنني خرجت لكي
أتفرج و فوجئت بأنني ممسوك .. عم عبد البديع يطلب مني أن أمسح ما قلته
الآن .. لكنني عاهدت نفسي أن أكون صادقاً و أنا أكتب إليك .. قد أكون
مخطئاً لأنني خرجت في المظاهرة .. بلاش .. أنا فعلاً أخطأت .. لكن ماذا
أفعل و أنا على آخري ككل الذين أعرفهم .. خرجنا لكي نفش غلنا و نصرخ لعل
أصواتنا تصل إلى سيادتك فترحمنا من الغلاء و الكواء و الخواء و البلاء و
الغش حتى في الدواء .. خرجنا لكي نسأل سيادتك كيف يمكن لأهالينا أن يضمنوا
لنا حياة كريمة بمرتبات لئيمة .. كيف يمكن لنا أن نحلم بالمستقبل و نحن
ندرس في مدارس و جامعات لا نتعلم منها شيئاً ينفعنا في الدنيا أو الآخرة
.. نعم يا سيدي خرجت في المظاهرات كغيري .. لكن لا أنا و لا أحد من الذين
أعرفهم أحرقنا مدرسة أو نهبنا محلاً أو اقتحمنا مطعماً أو كسرنا جهاز
كمبيوتر .. سمعت أنهم أحرقوا المدرسة فحزنت .. صحيح أنني لم أتعلم فيها
شيئاً ذا بال لكنني حزنت لأنني قضيت فيها أياماً جميلة و ضحكت فيها من
قلبي أنا و زملائي كما لم أضحك من قبل و كما لن أضحك من بعد .
سيدي الرئيس .. أنا حزين على كل طوبة رميت بوجه عسكري أمن مركزي أمروه أن يقمعنا فقمعنا و هو يرتعد خوفاً ..
حزين على كل شجرة أحرقت فوق شريط القطر .. حزين على كل محل نهبوه .. حزين على كل مطعم لم يأكلوا فيه فأكلوه ..
على كل فصل اقتحموه و أشعلوا فيه النار .. حزين على أن نصل جميعاً إلى هذه
الحال .. لكني حزين أيضاً على حياتي و حياة كل الذين أعرفهم .. هل تتصور
سيادتك أننا نعشق التظاهر و نهوى الإضراب و ندمن الوقفات الاحتجاجية .. هل
تظن سيادتك أننا كنا سنخرج من بيوتنا أساساً لو كنا نشعر بالرضا عن اليوم
أو الأمل في بكره .. أعلم أنه لا يوجد أبداً ما يبرر خروجنا لكي نولع في
مدينتنا .. في شوارعنا .. في مدارسنا .. لكن ماذا نفعل إذا كانت الحياة في
بلادنا جعلتنا نرغب في أن نولع في أنفسنا ؟
سيدي الرئيس أنا جاهز لأتحمل المسؤولية عن كل ما ينسب إليّ .. مستعد لكي
أمثل أمام القضاء .. مستعد لأن تقيد كل أطرافي إلى جميع أنحاء السرير ..
لكن فقط بعد أن تثبت إدانتي .. مستعد أن أحاكم و لكن بعد أن يحاكم معي كل
الذين سرقوا مني الأمل و حرموني من أن أحلم بغد أقل سوءاً .. بعد أن يحاكم
معي كل الذين غرفوا من خيرات هذه البلد دون أن يعطونا منابنا .. بعد أن
يحاكم معي كل الذين أشعلوا النيران في آدميتنا و انتماءنا و حبنا لهذا
الوطن الذي عشنا فيه سنين راضيين بقليلنا لأننا نؤمن أن القليل من الحبيب
كتير .
سيدي .. أنا مضطر أن أتوقف الآن لكي أترك عم عبد البديع يرتاح من نوبة
البكاء التي أصابته .. لكي أطمئن على عدلي الذي أعطانا ضهره و أخذ يرتجف
.. لكي أطلب من الجميع أن يكفوا عن النشيج الحاد لكي ننجو من غضب الحراس
الذين اقترب موعد تفتيشهم المفاجيء لنا .
سيدي الرئيس .. أنا الآن أعرف ما أريد .. أنا لم أعد لا حباً و لا حناناً و لا حلاً ..
لم أعد أريد لا الخبز و لا الحرية ..
لم أعد أريد لا الحراك السياسي و لا العدالة الاجتماعية ..
لم أعد أريد تكافؤ الفرص و لا فرص التكافؤ ..
لا التنمية الشاملة و لا الخروج من عنق الزجاجة ..
كل ما أريده هو ...
أن تأمرهم سيادتك بأن يفكوا قيودي .. فأنا حقاً أريد أن أهرش