بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه
الإسلام دين المحبة
( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )
( ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب".
إن
الحب قيمة من أعظم القيم وشيمة من أمثل الشيم فهو وحده الذي يقوي روح
التواصل وينسج لحمة التضامن والتكافل ويعطي بعداً وجدانياً لعملية
التبادل.
ولذا كانت الديانات السماوية والوضعية لا تخلو عن إشارة
إلى المحبة في أبعادها الثلاثة من الأعلى إلى الأسفل وبالعكس وفي بعدها
الأفقي.
ونعني بذلك محبة الخالق لخلقه ومحبة الخلق للخالق ومحبة الإنسانية وهي محبة البشر بعضهم ببعض.
وإذا
كانت نصوص الديانة المسيحية وأدبياتها وممارسة بعض أتباعها تدل أحياناً
كثيرة على اعتبارهم لهذه القيمة فنحن لا نبخس الناس أشياءهم فقد شهد لهم
بذلك الوحي المعصوم فقال تعالى( وجعلنا في قلوب الذين أتبعوه رأفة ورحمة)
والرأفة والرحمة تعبران عن قيمة الحب في القرآن الكريم.
ولهذا
فقد أدعى بعض المستشرقين كالمستشرقة مارجريت اسميث أن ما ظهر في أواخر
القرن الأول وبداية الثاني من التعبير عن الحب الإلهي والعشق مع الحسن
البصري والصريمية وكذلك مع الفضيل ورابعة العدوية وغيرهم إنما كان متأثراً
بالمسيحية.
ونحن نرى أن الدين الإسلامي أصل قيمة الحب عمودياً في
الاتجاهين وأفقياً وأصل كذلك لمقتضياته دون أن يكون متأثرا بديانة أخرى
سوى أنهما يصدران من مشكاة واحدة وينبعان من نبع واحد كما حققه المؤرخون.
ولعلنا من النصوص القرآنية والحديثية نؤكد ذلك مما لا يدع مجالاً للشك.
فإن قيمة الحب أصيلة في هذا الدين بمختلف مظاهرها.
فكما
يقول أبوحامد الغزالي: فإن المحبة لله هي الغاية القصوى من المقامات
والذرة العليا من الدرجات فما بعد ادراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من
ثمارها وتابع من توابعها كالشوق والأنس والرضا وأخواتها ولا قبل المحبة
مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها.
فقد جاء في القرآن الكريم ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله )
(
يحبهم ويحبونه) ( والذين آمنوا أشد حباً لله) وهو دليل على اثبات الحب
واثبات التفاوت فيه وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحب لله من شرط
الإيمان في أخبار كثيرة.
وجاء في القرآن ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحب الله والذين آمنو أشد حباً لله )
يقول
ابن جزي الكلبي في تفسيره : الحب حبان حب اتباع وحب قلبي. قلت: وهو ما
تشير إليه الآية الثانية وأما الأول فهو ما تشير الآية الأولى.
والحب
القلبي والعاطفي له مكانة سامية ودرجة صاحبه رفيعة إذ أنه يطوي مقامات سير
السالكين طياً ويروي ظمأ قلوب المحبين رياً كما يشهد له حديث: "ما أعددت
لها كثير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله.
وإجابته عليه الصلاة والسلام لهذا القائل بقوله: المرء مع من أحب.
قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك".
وقال أبورزين العقيلي يارسول الله ما الإيمان قال: أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما".
وفي حديث آخر: لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
وفي حديث آخر: لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين". وفي رواية من نفسه.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمحبة فقال:" أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة وأحبوني لحب الله أياي".
وكذلك
في الحديث الصحيح لما سب أحد الصحابة ذلك الرجل المدمن للسكر والذي كانت
تقام عليه العقوبة فزجره عليه الصلاة والسلام قائلاً: إنه يحب الله ورسوله.
وذلك
يعني أنه وهو على تلك الحالة من الإدمان على المعصية له مرتبة محفوظة من
جراء الحب الكامن والعاطفة الحية فبقدر ما يتغلغل ذلك الحب في الأعماق
تتسع دائرة المغفرة.
فإذا كان ذلك متاحاً في الحب الإنساني حيث يقول الشاعر:
لعمرك ما حبي أمامة بالذي يغيره الواشي ولا قدم العهد
فما بالك بحب الملك الرحمن الرحيم الذي بدأنا بنعمته وصورنا بحكمته ورزقنا بكرمه ودبر أمرنا بلطفه.
وهو سبحانه وتعالى يفرح بتوبة عبده وأوبته إلى حظيرة طاعته كما جاء في الحديث الصحيح.
ويعلن محبته له ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)
الحب أفقياً
حب
الإنسانية فيما بينها إنه أمر مؤصل في دين الإسلام قائم على مبدإ الأخوة
البشرية فقد جاء في الحديث : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه".
إنه يضيف قيمتين قيمة الحب إلى قيمة الأخوة.
لأن الأخ هنا هو أخ في الإنسانية كما فسره غير واحد من الشروح كابن رجب الحنبلي والنووي الشافعي والشبراخيتي من المالكية.
وهناك
حب خاص بالطبقات المستضعفة لأنها تحتاج إلى رعاية فقد جاء في الحديث:
اللهم إني أسألك فعل الخيرات ...... إلى قوله: وحب المساكين".
وفي الحديث القدسي:" ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه...."
ولا يقتصر الحب على الإنسانية بل حتى الجمادات والطبيعة والحسن من الأقوال والأفعال.
فقد جاء الحديث عن أحد " هذا جبل يحبنا ونحبه".
وجاء في الحديث: " إن الله جميل يحب الجمال".
ويحب التيسير على العباد :" إن الله يحب أن تؤتى رخصة".
"ويحب المحسنين".
-
ولما وصل عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة مهاجرا خاطبهم في ثاني
خطبة له عن الحب كما في سيرة ابن إسحاق فان مما قال: أحبوا ما أحب الله
أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره ...
إلى أن قال: وتحابوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن ينكث عهده والسلام.
قال
أبوحامد الغزالي: اعلم أن أسعد الخلق في الآخرة أقواهم حباً لله تعالى فإن
الآخرة معناها القدوم على الله تعالى ودرك سعادة لقائه وما أعظم نعيم
المحب إذا قدم على محبوبه بعد طول شوقه وتمكن مشاهدته أبد الآباد من غير
منغص ومكدّر ومن غير رقيب ومزاحم ومن غير خوف انقطاع إلا أن هذا النعيم
على قدر قوة الحب فكلما ازدادت المحبة ازدادت اللذة وإنما يكتسب العبد حب
الله تعالى في الدنيا وأصل الحب لا ينفك عنه مؤمن لأنه لا ينفك عن أصل
المعرفة وأما قوة الحب واستيلاؤه حتى ينتهي إلى الاستهتار الذي يسمى عشقاً
فذلك ينفك عنه الأكثرون.
إن الحب قيمة لأن كل إنسان يجب أن يكون
محبوباً بل قل أن تجد إنساناً يود أن يبغضه الآخرون ومن المفارقات أن
يعضهم يحارب الآخرين بدعوى إنهم لا يحبونه ، إنه يخطئ الوسيلة.
لأنه
إذا تحقق الحب من الجانبين انتفى العدوان إن الحب عواطف وسلوك وعنوان
وإعلان ولهذا جاء في الحديث: " إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه بذلك".
لماذا هو قيمة لأن كل الناس يعجبون به حتى من لم يسلك طريقه، وذلك هو معيار القيمة.
واستعمل
بعض الفلاسفة مصطلحات للتعبير عن الرضا النفسي "كحب المصير": وهي عبارة
استعملها نيتشه للتعبير عن الموقف الذي ينبغي على الإنسان أن يتخذه في
حياته إلا وهو : أن يقبل كل ما في الحياة من تناقض: ما فيها من شرور وما
فيها من خيرات.
- "الحب العقلي لله": تعبير استخدمه اسبينوزا للتعبير عن الخير الأسمى الذي به تتحقق "نجاتنا أو سعادتنا أو حريتنا"
وهو
ينشأ من معرفة العيانية بالله بوصفه الموجود السرمدي" ولما كانت ماهية
العقل الإنساني متحدة مع الله، فإن هذا الحب السرمدي هو الآخر، وهو أيضا
من وجه آخر جزء من حب الله لنفسه " لا بوصفه لامتناهياً ولكن من حيث أن
ماهية العقل الإنساني إذا ما نظر إليها من ناحية السرمدية يمكن أن تفسر".