أخواتي :
ها قد هل علينا شهر رمضان شهر مبارك افترض الله علينا صيامه
تفتح فيه ابواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه
الشياطين ،
ها قد جاءنا شهر عظيم أوله رحمه ، وأوسطه مغفرة ،
وآخره عتق من النار .
أخواتي الكريمات :
ها قد جاءنا شهر فيه ينادي مناد : ياباغي الخير أقبل ، ويا باغي
الشر أدبر فتعالوا نغتنم هذه الفرصة ، ونشمر عن ساعد الجد ،
ونتوب الى الله توبة نصوحا ، ونصوم ونحسن الصيام .
ها قد جاءنا شهر القرآن : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ
فَلْيَصُمْهُ} البقرة 185
والقرآن نعمة عظيمة ومنة جليلة ، وشرف للمسلمين: فيه الحقيقة
المطلقة ، والهداية التامة ، والشريعة العادلة ، والعصمة الكاملة ،
والمعجزه الخالدة ، والقدوة الحسنة ، وفيه سكينة القلوب وراحة
العقول ، ونعيم الأرواح .
هذه النعمة الجليلة تستحق حمد المنعم المتفضل ، وشكر الواهب
الكريم . ولقد شرع لنا الصيام في رمضان حتى نؤدي واجب الشكر
على نعمة القرآن:{يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة: 185
تعالوا نقرأ القرآن ونجمع كما جمع الله بين رمضان والفرقان ،
ونصوم لله محتسبين لنفوز بشفاعة القرآن والصيام يوم الدين،
كما بشرنا حبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في قوله
الكريم : "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة : يقول الصيام :
أي رب منعته الطعام والشهوات فشفعني فيه ، ويقول القرآن : منعته
النوم بالليل فشفعني فيه . فيشفعان "
أخواتي في الله:
ها قد جاءنا شهر الرحمة والغفران ، وموسم العفو والرضوان ،
فلنحافظ على صيامنا لنفوز بمغفرة العزيز المنان . يقول رسولنا
محمد صلى الله عليه وسلم : "من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر
له ما تقدم من ذنبه ".
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :"إن في الجنة بابا يقال له :
الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم
. يقال : أين الصائمون ؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا
دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ".
ولنحذر انتهاك حرمة هذا الشهر فإن كسره لا يجبر ، وخسارته لا
تعوض ، يقول رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم :"من أفطر
يوما من رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه
صيام الدهر كله وإن صامه".
أخواتي :
هاقد جاءنا شهر البر والإحسان ، شهر الجود والكرم ، شهر التراحم
والتكافل ، فتعالوا نفرج عن المكروبين ، ونيسر على المعسرين ،
ونطعم الجائعين ، ونوسع على اليتامى والأرامل والمساكين ،
وندخل الفرحة على قلوب البائسين .
أخواتي :
ها قد جاءنا شهر القيام ، شهر صلاة التراويح ، فلنحرص على تلك
الصلاة ، فينور الله وجوهنا ، ويطهر قلوبنا ، ويغفر ذنوبنا ، ويسبغ
علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، وافرة وغامرة . يقول الله تعالى : {إِنَّمَا
يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُون * َتَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن
قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } السجدة 15-17
ولنتذكر -أخواتي – أن في شهرنا هذا ليلة القدر التي أنزل الله فيها
القرآن ، وضاعف فيها أجر العبادة ، فلنلتمسها في الوتر من العشر
الأواخر من رمضان يقول الحق جل شأنه : { ِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ*
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى
مَطْلَعِ الْفَجْرِ*}القدر 1-5 .
إن الله قد شرع لنا الصيام حتى تمتلئ قلوبنا بتقوى الله ، ونشعر
بمراقبة الله ، فنصلح نفوسنا ، ونهذب أخلاقنا ، ونعود إلى جادة
الحق والصواب ، ونتوب من سائر المعاصي والذنوب . قال الله
تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ
مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة- 183
والصوم الذي يريده الله تعالى هو الذي نكف فيه عن المفطرات
وعن المحرمات ، الصوم الذي يكف فيه اللسان عن الكذب والبهتان
، والغيبة والنميمة ، وتصوم فيه الأذن عن سماع الحرام ، وتمسك
فيه العين عن رؤية الحرام ، ويمتنع فيه القلب عن الحقد والحسد ،
يقول عليه أفضل الصلاة والسلام :" من لم يدع قول الزور والعمل
به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "
اللهم أعنا جميعا على الصيام والقيام ، والطاعة والاستقامة .