الدين..هل يشبع حاجاتنا ويجلب رضانا؟
الحاجات إما (مادية) كالمال والطعام والشراب والمتع المادية والحسية والجسدية والكثيرة كالزواج والتملك وغيرهما.
وإما (معنوية) كالحب والاحترام والتسامح والصدق والوفاء والعدل والرحمة الشكر وغيرها.
على صعيد القائمة الأولى من الحاجات، هناك قاعدة عامة، وهي أن المحلل من الطعام والشراب وسائر المتع الحسية، كثير ومجاز ومباح، بل إن مساحته أوسع- بما لا قياس معه- من مساحة المحرمات والممنوعات، مع التنبه إلى أن الممنوع ما كان ليمنع لولا ضرره الملحوظ أو غير الملحوظ.
الطبيب أحيانا يمنعك عن تناول أطعمة صحية ليس فيها أي ضرر- في الوضع الطبيعي- لكنه يحجبها عنك أحيانا لمصلحتك من أجل أن تتماثل للشفاء وتسترد عافيتك، فتمتنع عنها بطيب خاطر من دون أن تسأل أو تعرف السبب في منعها، لأن الطبيب خبير مختص ولا يمنع إلا لمصلحة!
الحاجات المادية في الإسلام إذن مؤمنة ولا شكوى في ذلك.
أما القائمة الثانية من الحاجات المعنوية أو الراحة فالدين هو أكبر وأقدر من يوفرا لك، لأنه مبني عليها، ولأنه يهدف إلى إنشاء وإرساء القيم والمثل والفضائل والأخلاق الإنسانية، وإلى تحقيق مجتمع السعادة والتكافل والتضامن والتوادد والتسامح والتراحم والتصافي.. الخ.
وإذا جئنا إلى (الرضا) من السؤال المطروح، أيهما يحقق لي مستوى من الرضا والقبول أعلى: هذا الذي يؤمن لي حاجاتي المادية والمعنوية معا؟ أم ذاك الذي يوفر لي المادي منها فقط، وربما جلب لي التعاسة والكآبة والشرور والمآسي واليأس من الحياة؟!
(هناك): نمو.. وانطلاق.. وتسامي.. ورفعة.. وتكامل.. واطمئنان.
(هنا): تسافل.. وانحطاط.. وهبوط.. واتضاع.. وحيرة.. وقلق.. وجشع.. وخوف.
)الدين): يحقق لي رشفة الرضا، وجرعة الهدوء، ونسائم الطمأنينة الرضية في وقت الدعة والسلم والاستقرار.. ويبعث لي عبقات العزاء والصبر والتحمل والسلوى عند الشدائد والأزمات.. وما عداه يسلمني للخيبة لأكون نهبأ لها وللإحباط والتشاؤم فتغيم الآفاق بعيني!
(الدين): يعطيني خارجة الطريق.. يأخذ بيدي.. يدلني.. يرشدني إلى أفضل الأشياء وأرقاها.. ويحذرني من مغبة المخالفات وسوء عاقبتها.
(غيره): يسلمني للضياع والتيه في الدوامة.. أتخبط.. كمن يمشي في غابة كثيفة في ليلة غاب قمرها.
(الدين): يفتح لي آفاق رحبة.. أزداد فيه بكل يوم سعة.. ينطلق بي إلى خارج الحدود، وإلى الفضاءات اللانهائية.. لأنه يربطني دائما بـ (المطلق) اللامتناهي، فكيف ينفذ وقودي وأنا أستمد الطاقة منه؟!
(غيره): يجرني إلى الوحول والمستنقعات والدوائر الضيقة الخائقة.. يحبسني داخل ذاتي وفي زنزانات (رغباتي وشهواتي)..
(الدين): يشعرني بحريتي أكثر.. يحررني من الكثير من القيود التي تريد أن تحدني.. تحجمني.. تكبلني.. تشلني.. يعلمني كيف أقول: (لا) لكل ما ينقص حريتي أو يعبث بها، أو يسيء إليها.. به أعرف نفسي أكثر.. أكتشفها.. أطلع على أسرارها.. ونقاط وقوتها.. وكيف أستكمل نواقصها!
(غيره): يوحي لي بالحرية الزائفة.. ويضع في معصمي أكثر من قيد.. يفتح لي باب الرغبات السائبة، وإذا بها تذلني وتأسرني وتحقرني في نظر ذاتي أولا وفي نظر الآخرين.. به أفقد كياني.. أشعر أني غيري.. أو كأني دمية في مسرح العرائس تحركني خيوط بيد ممثل يتلاعب بي كيف يشاء.
يقول المفكر (آنون): "عندما أضعنا الله، لم يكن الله هو الذي ضاع"!!
من الضائع إذن؟
إننا.. نحن الذين ضعنا.. وبقينا هكذا نجوب في قارب مثقوب.. ضائعين لا منارة نهتدي بها، ولا ساحل قريب يومئ إلينا.. وسنبقى بأيدي الموج العاتي وأيدي والرياح الهوجاء تتقاذفنا وتتلاعب فينا كقشة، حتى نستشعر فداحة الخسارة التي نحن فيها!