هل ستنتفي الحاجة إلى الدين يوما ما؟
هذا سؤال مطروح بأشكال وصيغ مختلفة، منها أنه سيزول تدريجيا، أي يأتي زمان على الناس يستغنون فيه عن الدين بعدما تتطور الحياة تطورا نوعيا هائلا.
القائلون بهذا، يتصورون الدين كقطعة أثاث أو ثياب تبلى مع مرور الأيام فيجب رميها في القمامة، أو سيارة قديمة أصبحت خارج الموضة (الموديل) فلا بد من استبدالها بغيرها..
الماديون لا ينظرون إلى (الروحي) إلا بنظرة مادية، وهذا خلاف المنطق العلمي.. فالأدوات والأجهزة والمختبرات والأنظمة المتوفرة مهما قفزت في التطور النوعي سوف لن يكون بمقدورها أن ترصد لنا صدق الإنسان وكذبه، أو تميز لنا بين وفائه من خيانته، أو تقيس لنا درجة إخلاصه وطاعته وما إلى ذلك، لأنها- أساسا- أشياء غير قابلة للقياس والوزن.
رغم كل التنبؤات العلمية في ذلك، فإن الدين آخذ بالتطور وبالحضور الثوي حتى في الأوساط التي تعادله، وقد يأتي عصر يلبي حاجات الإنسان المادية وربما النفسية، لكنه كيف سيشبع حاجته أو نزعته إلى (المطلق) وخروجه من رداء المحدودية إلى العالم اللانهائي؟
إن الحاجات الأساسية ومنها (الدين) هي التي لا تنتهي ولا تتوقف ولا تقتلع ، فلقد أثبت تأريخ الحضارة الإنسانية أنه ما من زمن مر على الناس وهو يخلو من دين أو عبادة معينة صحيحة كانت أو غير صحيحة.
وقد يستنغي الإنسان عن بعض (ضرورياته) أو يتوقف لسبب أو آخر عن التعاطي معها، كما يحصل في الصوم أو في الإضراب أو الممانعة أو المقاطعة أو ممارسة رياضات معينة، لكنه لا يمكن- بأي حال- أن يستغني عن الدين لسبب بسيط ووجيه أيضا، وهو أن الدين هو الضرورة القصوى التي لا تقوم الحياة الصحيحة والصحية والصالحة بدونه.
لا تصدق إذا قيل لك إن الملحدين والكافرين والوجوديين في غنى عن الجانب الروحي.. نعم، هم قد يبحثون عنه في غير (الدين) لكنه لا يؤمن لهم إلا الفتات والعشور.
يقول الروائي الروسي (تولستوي): "الإيمان هو قوة الحياة"!
يقول الروائي الأمريكي (ارنست همنغواي):
" ما هو الأخلاقي؟
هو تلك الراحة التي تشعر بها فيها بعد.
وما هو اللاأخلاقي؟
هو ذلك السوء الذي تشعر فيها بعد".
إن أغلب العقد النفسية ضد الدين ناجمة إما من:
(الجهل).. (الإنسان عدو ما جهل).
أو (النظر إلى الشكل الخارجي).. طقوس وعبادات وشعائر.
أو (الالتفات إلى الجانب الغيبي).. لا علاقة للدين بالحياة.
أو (اعتبار الدين عقبة).. قيود مفروضة على الحريات والعلوم والسياسة.
أو (تصوره شيئا من مخلفات الماضي).. لا يساير الواقع الحضاري.
أو (الاحتجاج بالنماذج السلبية المنحرفة).. الاحتجاج بالثمرة ونسيان الشجرة.
وهذه وغيرها لا تنفي الحاجة إلى الدين بل تؤكدها لأنه يكافح الجهل يطالب بالبحث عن الجوهر، ويربط بين الحياة وما فوق الحياة وما بعد الحياة ويحرر الإنسان من القيود التي تكبله، وهو منهج الله المعد للزمن وللمكان كله، وهو حجة على المسلمين وهم ليسوا حجة عليه.
المصدر: الدين صديقنا الدائم.