الإيمان بالله
ـ الإيمان بالله تعالى واجب على الإنسان :
إذا تفكر الإنسان قليلاً سيجد أن الله الذي خلقه قد أعطاه أدوات يتعلم بها سائر العلوم الدينية والدينوية وبغيرها لا يمكنه أن يكتسب شيئاً من علم ، قال تعالى : ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ((4)) لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ (النحل: 78) . ومن أول شكره سبحانه أن نستخدم أدوات العلم التي وهبنا إياها، في العلم به ، قال تعالى : ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ (محمد: 19) وبغير أن يعلم الإنسان خالقه لا يمكنه أن يتبع هداه الذي يسعده في الدنيا والآخرة فيكون من الخاسرين ، لذلك كان أول واجب على الإنسان أن يعرف الله تعالى .
العلم طريق الإيمان
وإذا أراد الإنسان إيماناً صحيحاً فعليه بالعلم ، قال تعالى : ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ (الرعد:19) ، ذلك لأن إيمان المقلد لغيره سرعان ما يهتز عند أول امتحان وعند أول شبهة، قال تعالى : ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ (الزمر:9) وقال : ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ (الحج:11).
الأدلة العلمية على الإيمان بالله سبحانه
القواعد العقلية
ـ القاعدة الأولى ـ العدم لا يخلق شيئاً :
العدم الذي لا وجود له لا يستطيع أن يصنع شيئاً لأنه غير موجود .
الموجود
إذا تأملنا في المخلوقات التي تولد في كل يوم ، من إنسان ، وحيوان ، ونبات، وتفكرنا في كل ما يحدث في الوجود ، من رياح ، وأمطار ، وليل ، ونهار ، ونظرنا إلى ما يجري في كل حين : من حركات منتظمة للشمس والقمر، والنجوم والكواكب ، إذا تأملنا في هذا وغيره من التغيرات المحكمة التي تجري في الوجود ، في كل لحظة ، فإن العقل يجزم بأن هذا كله ليس من صنع العدم ، وإنما هو من صنع الخالق الموجود سبحانه. قال تعالى : ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ(35)أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾ (الطور: 35، 36) .
ـ القاعدة الثانية ـ التفكر في المصنوع يدل على بعض صفات الصانع:
إن كل شيء يوجد في المصنوع يدل على قدرة ، أو صفة عند الصانع ، فلا يمكن أن يوجد شيء في المصنوع ، إذا كان الصانع لا يملك قدرة ، أو صفة مكنته من فعل ذلك الشيء في المصنوع . مثال :
إذا رأيت باباً من خشب ، قد أتقن صنعه ، فإنك ستعلم أن الصانع يملك الخشب، وأنه يستطيع أن يقطعه بانتظام ، وأنه قادر على أن يجعل الخشب أملس، وأنه يملك مسامير ، وأنه يقدر على تثبيت أجزاء الباب بالمسامير، وأن لديه خبرة في صناعة الأبواب.. فإذا وجدنا ثقباً منتظماً في الباب (محل المفتاح) شهد لنا ذلك بأن الصانع لديه قدرة ، على ثقب الباب بدقة وأن لديه إحكاماً في عمله ، وهكذا نجد كل شيء في المصنوع ، يدل على قدرة, أو صفة عند الصانع ، لأنه لا يمكن أن يوجد في المصنوع إلا إذا كان الصانع يملك قدرة أو صفة تمكنه من صنع ذلك الشيء .
وهكذا سنجد أن التفكر في المصنوع يدلنا على بعض صفات صانعه ، ومن هنا نعرف أن التفكير في المخلوقات يدل على بعض صفات الخالق.. قال تعالى : ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ(3)وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ(4)وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(5)تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ (الجاثية: 3-6) ، وإذا ما تأملنا وتفكرنا في المخلوقات فستعلمنا آيات الله فيها ببعض صفات الله سبحانه ، قال تعالى : ﴿قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (يونس:101)، وقال تعالى : ﴿أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: 185).
الحي الدائم
إن الطعام الذي نأكله لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يتحرك ، ولا ينمو ، ولا يتنفس ولا يتزوج ولا ينام، ولا يستيقظ ، فإذا دخل الطعام جسمك أصبح جسماً حياً ، يتصف بالأوصاف السابقة ، وكذلك الحال في طعام الحيوان ، وكذلك مواد الماء والتراب والهواء التي يتغذى بها النبات لا تنمو ولا تثمر ولا تتنفس ولا تتغذى . فإذا دخلت جسم النبات تحولت إلى نباتات حية، ذات بهجة، فهذه الحياة التي تدب في كل جسم ، من نبات أو حيوان أو إنسان ، في كل يوم ، وفي كل لحظة تشهد أنها من صنع واهب الحياة .
ولقد حاول الإنسان أن يخلق الحياة ؛ فباء بالفشل الذريع ، وأعلن الباحثون في الشرق والغرب عجزهم عن خلق الحياة ، وصدق الله القائل : ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ(73)مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 73، 74) نعم : والبشر يعجزون عن استرداد أي شيء يأخذه الذباب ، لأنه بمجرد أخذه يصب عليه من لعابه ، فيحوله من فوره شيئاً آخر لا تنفع استعادته .
إن الحياة التي وهبت ، وتوهب على الدوام في الكائنات الحية ، لا تكون إلا من الحي الدائم سبحانه .
وكل حياة يهددها الموت حتى جاءت أسبابه ، لكن خالق الأسباب لا تضره الأسباب ، فهو الحي الدائم الذي لا يموت . قال تعالى : ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (الحديد:2) ، وقال سبحانه: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ (الفرقان : 58) .
العليم
إذا تأملت في أجنة الحيوانات ، سترى أن العيون تخلق في أرحام الأمهات، حيث الظلام الشديد ، مع أن العيون لا ترى إلا في الضوء، فيشهد ذلك : أن الذي يخلق العيون ، يعلم أن تلك الأجنة ستخرج إلى عالم فيه النور، وهكذا يشهد خلق الأجنحة للطيور داخل البيض : أن الخالق يعلم أنها ستطير في الهواء، فخلق لها الأجنحة قبل ولادتها ، وهكذا كل مخلوق ترى خلقه وهو جنين، قد أعد بما يناسب ظروف الحياة التي سيعيش فيها، حتى جنين الشجرة (البذرة) يهيئه الله بجزء يكون الأوراق والأغصان ، وجزء يضرب في الأرض لامتصاص الماء والتراب(الأملاح) ، ولا يكون ذلك ، إلا من صنع من يعلم أن النبات سيحتاج إلى الماء ، والتراب ، والضوء ، والهواء .
وإذا رأيت الذكور تخلق ، فسترى أن الخالق قد علم أعدادها ، فخلق لها من الإنبات ما يكفي لبناء الأسر وسيشهد لك ذلك أنه من صنع العليم سبحانه، قال تعالى : ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (الذاريات:49).
والماء العذب إذا كان راكداً تعفن ، ولكن العليم بذلك جعل البحار مالحة ، وجعل موجها متحركاً ، حتى لا تفسد الحياة على الأرض بعفونة البحر.
هذا وكل ما في الكون يشهد : بأن الخالق لهذا الكون لا شك عليم بما يخلق ، سبحانه، وهو القائل : ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الملك:14). وعلم الله محيط بكل شيء لم يسبقه جهل ، ولا يدخل عليه نسيان، قال تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ (الطلاق:12).