هل تعرف ذلك الشعور؟ حين تزيد دقات قلبك بصورة كبيرة لمجرد رؤيتك من تحب، حين تتساقط منك حبات العرق في عز برودة فصل الشتاء لمجرد وقوفك جانبه متمنيا أن تطول هذه اللحظة قدر الامكان رغم انك ربما حتى لا تستطيع محادثته، حين يتوقف الزمن بك تماما لمجرد نظرة من عينه، حين تتحول الدنيا كلها لابتسامة عريضة لمجرد وجود شبح ابتسامة على شفتيه، حين تضحك على طرفة لم يقلها و لم تسمعها، حين تبكي على دمعة نزلت من عينه، حين تغلق عينيك مفكرا فيه، ماذا قال، ماذا فعل، كيف ابتسم و كيف قطب حاجبيه مفكرا، حين تتحول قسمات وجهه الى أجمل قسمات وجه رأيتها في حياتك حتى لو كانت تكشيرة، حين تشعر بالبرودة في عز ظهر الصيف لمجرد أنك تعلم أنكما تتواجدان في مكان واحد، قد تفصل بينكما جدران و غرف لكنما مازلتما في نفس المكان، و حين ترتعش كل قطعة من جسدك لمجرد مروره بجوارك.
هل تعرف ذلك الشعور؟ حين تستيقظ كل صباح لتجد نفسك متلبسا بابتسامة صافية لمجرد أنك رأيت من تحب في أحلامك، حين ينقبض صدرك لمجرد أنه تأخر على غير عادته لتظل تلتفت يمينا و يسارا متخيلا كل ثانية تمر على أنها يوم باكمله، حين تنزل من منزلك متعجلا لمجرد أن تشعر بالراحة لأنك في الطريق الى رؤيته
هذاهو الحب، أو ربما هو من علامات الحب، ذلك الذي ينبت في قلبك شئت أم أبيت، ذلك الذي يعيش الكثيرون على أمل أن يجدوه ليعيشوه، ذلك الذي يحياه البعض بألم، و يحياه البعض براحة، و يحياه البعض بسعادة، لكنهم في كل الحالات يريدونه، حتى و ان لم يعبروا عنه، حتى و ان لم يبوحوا به، حتى و ان كان مجرد حلم من المستحيل أن يتحول الى حقيقة بالنسبة لهم.
يقول البعض أن الحب انكار للذات و تضحية، و البعض الآخر يقول أن الحب أنانية مفرطة و هي انعكاس لحب الذات و حب التملك، و طرف ثالث يقول أن الحب هو مزيج من التضحية و انكار الذات و الانانية و حب التملك برغم تعارض كل طرف مع الآخر. يقولون حين يحب شخص ما احدا فإنه يريده لنفسه دليل على حب التملك و يتمنى ان يجعله سعيدا مهما كان و لو على حساب سعادته الشخصية و هذا دليل على انكار الذات و التضحية و في نفس الوقت يريد أن يكون معه دائما لأنه يشعر بالسعادة في قربه و لا يريده أن يغيب عن نظره ثوان ليظل سعيدا و هذا دليل على الأنانية.
أقوال و أقوال، لكن في النهاية فالحب – ذلك الشعور الغامض – هو ما سنتحدث عنه هنا، ليس عن الحب بشكل عام، لكن على أحد جوانبه أو – كما أحب أن أسميها – أحد أعراضه، هل سبق لك أن رأيت مثلا شاب و فتاة في فترة الخطوبة في أحد الأماكن العامة؟ هل ترى تلك النظرة الرومانسية في عينيه؟ و تلك الرقة في حركاتها؟ البعض يقول "أيوة يا عم الاتنين بيمثلوا بقى و عايشين دور الحبيبة..عادي" و أجد من يهمس في أذني "هما شافوا كده في الأفلام و بيقلدوا و خلاص"، و أسمع من يقول متهكما "آه...ماهو لازم يسبك عليها الدور...قال يعني الواد دايب في دباديبها و مابينامش الليل" و بالطبع لا يجب علينا اغفال ذلك الصوت القادم من الخلف "شوف قال يعني البت رقيقة و زي النسمة و تلقيها في البيت شعرها منكوش و بتجعر كل شوية و واكلة دراع اخوها...قال يعني الرقة و الأنوثة مقطعة بعضها".
ربما يكون جميع من تكلم على صواب، لكننا لابد لنا ألا نغفل شيئا آخر مهما جدا، ربما لا يمثلان، و ربما هو بالفعل ليس رومانسيا، و ربما بالفعل هي "تجعر" في منزلها، و لكن ربما أيضا أنهما رغم كل ذلك بالفعل في حالة حب.
الموضوع ببساطة يتلخص في "هذا هو ما يتوقعه الطرف الآخر مني و لا بد أن أفعله"، فذلك الشاب يعلم أن خطيبته تنتظر منه أن يكون رومانسيا مهذبا، فيقوم "بالتسبيل"، و هي تعلم أن خطيبها ينتظر منها أن تكون رقيقة جدا فتتكلم و لا يكاد يسمع صوتها من فرط رقتها. ليس هذا خداعا او تمثيلا بقدر ما هو ارضاء للطرف الآخر.