إن الحب الذي يبدأ مع الزواج لا يكاد يمر عليه سنوات, أو ينتصف معه العام, حتى يبدو وكأنه شمعة انتهت صلاحيتها وآن الأوان لأن يخبو نورها, ويحل مكانه الحوار الميت, والملل والروتين الزوجي الذي يتهدد معه حصن الأسرة وسعادة الزوجين.
إن هذه المشكلة التي تحدث بين الزوجين بعد مرور سنوات على الزواج أو بعد الأربعين عمومًا لا يجب أن ننظر إليها على أنها ظاهرة؛ بل هي حدثٌ عارضٌ سرعان ما يختفي، فالزوج في هذا السن يحتاج إلى رعاية خاصة من زوجته.
سبب الملل
إننا نرى أنَّ تسرُّب الملل إلى الحياة الزوجية يعود بالدرجة الأولى إلى الزوجة, التي ما إن تنجب الأطفال وتزداد المسئوليات حتى تنصرف عن زوجها، وعن مشاركته أفراحه وأتراحه؛ ليكون في المرتبة الثانية أو الثالثة في حياتها، فيبدأ- لتعويض هذا الجزء الكبير من الحب الذي فقده- بالاتجاه إلى أصدقائه أو إلى أوراقه ومكتبه وكتبه؛ ليجد نفسه التي يفقدها, وربما فكَّر كثيرًا في الزواج حتى يعوض هذا الحب مع امرأة أخرى تمنحه الحب والاهتمام, ويكون هو الأول في حياتها.
فالمرأة إذًا هي الوحيدة التي تستطيع علاج هذا الملل في حياته، فتشارك زوجها اهتماماته وهواياته، ولا تؤثر مسئوليات الأبناء على منحه حقه من الحب والسعادة التي كان ينالها أول عهده بها.
الملل لا يعرف منزلي
تقول إحداهن: رغم أنني سيدة متزوجة منذ 15 عامًا إلا أن الملل الزوجي لم يعرف طريقه إلى منزلي، وذلك لأن الزوجة الذكية تستطيع تجنب وقوع الملل الزوجي, فهي تمتلك جميع مقومات التغيير والتجديد في مظهرها، واختيار الوقت المناسب للحديث مع الزوج، والتفاهم في جميع الأمور التي تخصهم.
وتوافقها الرأي أخرى فتقول: الزوجة بيدها كل مفاتيح السعادة وإشاعة أجواء الودِّ، فبعض النساء وللأسف يكرسن وقتهن للأولاد، فيصبح الزوج في المرتبة الثانية بعد أن كان الأول في حياتها، وعلى الزوجة أن تنقذ حياتها من تسرب الملل، فتشعر زوجها باهتمامها ورعايتها له وتناقشه في أمور حياتها، وتشاركه هواياته، والخروج سويًّا للتنزة.. وأهم شيء هو الحرص على التفاهم والترابط الأسري.لقد أصبح من المتعارف عليه بين كثير من الأزواج أن
متعة الزواج والسعادة الزوجية ما هي إلا سنوات، وسيحل محلها الملل والقلاقل والعراقيل، والكل يُرجع هذه المشكلة إلى الزوجة؛ لأنها في الغالب هي المسئولة عن التحول, والدليل على ذلك أنها الوحيدة التي بإمكانها إعادة الحب والسعادة إلى الحياة الزوجية.
زوجك هو الماضي والمستقبل
يقول د. عادل صادق- في أحد أبحاثه: "إن الزوج ليس هو المستقبل فقط، وإنما هو الماضي أيضًا، ومن الطبيعي أن تكون عين الإنسان على المستقبل دائمًا بينما في الزواج فإن عيون الزوجين تكون على الماضي، إنهما يهتمان بالماضي مثل اهتمامهما بالمستقبل, والماضي معناه جذورهما وامتدادهما.
كنَّا معًا وسنظل معًا
فمرور الأيام على الزواج يعمق هذا الزواج، وهذا هو ما يعطية الصلابة والاستمرار والثبات، ومرور السنوات يخلق بين الزوجين شيئًا أقوى من الحب.. شيئًا يجعل من الزوجين روحًا وجسدًا واحدًا، إنها العشرة والطموحات والآمال والصعوبات والجراحات والآلام المشتركة.. المعنى أننا "كنَّا معًا وسنظل معًا" هذا هو معنى الماضي وأهمية الذكريات، وضرورة الجذور, جذور تتعمق وتقوى على مر سنوات وتلك أبدية الزواج ودوام العلاقة.. إن خلاصة القول: إن الماضي في الزواج يعمق الجذور، ويجدد الحب، ويقرب المسافات، ويزيد الحوار.
عدوى الحب
يقول الدكتور سيد صبحي: "لا شك في أن لهذه المشكلة علاجًا, وهو عدوى الحب التي تجعل صاحبها يبعد عن مساعي الغضب، ويقترب من شريك حياته، ويعيد العواطف إلى مكانها في الصدارة، ويجدد مشاعر الحب، ويقرب المسافات، ويزيد مساحات الحوار، وبهذا الأسلوب يتحول كل طرف إلى شخص قادر على أن ينقل إلى شريك حياته مشاعر الحب والتفاهم والسعادة والشعور الراقي الذي يجمع بين لغة الحب ولغة العقل الوجدان في انسجام وعدالة، هذه دعوة ليتحمل بعضنا البعض، ويرشد بعضنا البعض، وهكذا يتحقق التفاعل السليم بين الزوجين، ويستمر تحت مظلة توظيف العقل والرؤية الوجدانية السليمة وقبلها المبادئ الدينية الإيمانية.
ساعة مصارحة
يقول الدكتور أحمد فكري: "من المهم تخصيص ساعة مصارحة في الأسبوع يتصارح فيها كلا الزوجين، ويتحدثان لبعضهما عما يشعر كل طرف منهما تجاه الآخر، وذلك حتى يتخلصا من كمِّ المشاحنات الداخلية.
هذا بالإضافة إلى عدم الاكتفاء بهذه الساعة؛ بل من الواجب تخصيص وقت كافٍ للحوار الأسري، وقضاء يوم الإجازة بطريقة مختلفة عن باقي أيام الأسبوع، ومن ناحية أخرى يجب ألا تطغى أعباء الزوج في عمله على الوقت اللازم لإدارة شئون أسرته، كما أن على الزوجة أن تبحث دائمًا عن التغيير، بحيث لا تدور في فلك الأعباء المنزلية.
فإذا منح الزوج والزوجة وقتًا لأسرتهما بعيدًا عن الأعباء في المنزل والعمل فإن هذا الوقت من شأنه أن يتيح الفرصة لقيام حوار ثقافي أو اجتماعي مشترك بقرب المسافات الفكرية بينهما، ويقلص الفجوة بينهم ويجب أن يعتني الزوجان بالاستقرار النفسي عن طريق فهم كل واحد منهما لطبيعة الآخر، وتقدير مشاعره، وتحقيق رغباته، وإشباع احتياجاته العاطفية والنفسية والاجتماعية، وإذا تحققت هذه الأمور فلا مجال لوجود الملل الزوجي بينهما.
ويجب على الزوجة أن تراعي ظروف زوجها، من أجل أن يوفر لهما الحياة الكريمة يجب عليها أن تشاركه روحيًّا ومعنويًّا لتشعره أنَّها شريكته في الكِفاح، ولتصرف عن نفسه الشعور بأنه وحيد في حياته، أو أنها بعيدة عنه وتريد نفسها فقط، أو أن اهتمامها به قلَّ نظرًا لظروفه الحياتية التي أجِبَر عليها.
نصائح مهمة
1- لا تكوني متسلطة في طلباتك التي لا تنقطع بمكوث زوجك معك بأن يعطيك المزيد من وقته، نعم أنت تحبينه وتريدين قربه؛ ولكن يجب أن يكون ذلك في حدود طاقته، وأن تراعي ظروف عمله؛ لأنه إن قصَّر في عمله فسوف يقصِّر حتمًا في طلباتك، وتبدأ مشاكل أخرى هي: إن البيت يحتاج كذا وكذا.. وإن الفاتورة متأخرة من شهر كذا.. وإن كذا يجب أن يستبدل من عام.. وإن الثلاجة معطلة منذ شهر.. وسلسة من المطالب ربما تؤدي به أن يموت قهرًا وغمًّا إلى جانب ما يحل به من ديون.
2- تجنبي كل ما يثير المشاكل في حياتك؛ لأن كثرة المشاكل من قِبَلك من أقوى ما يبعث على ملل الزوج منك ومحاولة البعد- لفترات طويلة- عنك وعن البيت.
3- تعلمي بعض الهوايات التي تعينك على قضاء وقت فراغك في غياب زوجك في العمل كالخياطة والتطويز, ولتتجهي إلى القراءة والثقافة، تصفحي في المجالات التي يهتم بها زوجهك حتى تشاركيه دفَّة الحديث إذا دار بينكم حوار، وكذلك كتب التربية الخاصة بتربية الأبناء وقصص الأطفال التي تساعدك على جذب أبنائك إليك.
4- اجعلي بيتك كل يوم كأنه بيت جديد؛ فغيري وبدلي وانشري فيه البهجة والسرور وداعبي الزوج ومازحيه عند عودته من عمله، ويا حبذا لو ذكرتيه بمزاحٍ ولطفٍ بتلك المواقف المضحكة التي مرت بكما في حياتكما، وكذلك لو اقترحتِ عليه زيارة أهله أو الذهاب إلى مكانٍ يحبُّه؛ ليشعر بذلك أنك تبحثين عن سعادته وحبه فتكون الاستجابة سريعة لتبادل الحب.. وقد قالوا: إذا أردت أن تنال حُبًّا من أمامك فحدثه عما يحب لا عما تحب.
5- كوني ذكية ولبقة وماهرة في إدارة الحوار بينك وبين زوجك، وليكن كل الحوار عنه وله، وعما يحب ويعشق وينجذب إليه، وعن ذكرياته ومسيرة حياته وظروف عمله، قضاياه التي يدافع عنها ومبادئه التي يدعو إليها، وكذلك مغامراته.
6- وما أجمل أن تدلليه وتلاطفيه كما كنت في سابق العهد, وأن تأتيه في سريره، فتجلسي إلى جواره تلاعبينه، ولا مانع من عبارة لطيفة كان تقولي أثناء هذا: "احذر أيها القلب أن تدخلك واحدة غيري، فإن قلبي ليس فيه مكان لغيرك"..
وهكذا فإن أزمات الحياة وصعابها تحتاج إلى امرأة مبدعة تقتل الملل وتبدد الروتين وتضع مكانهما الحب والوئام.